بيت جده , هكذا عرفناه , وهكذا كان , وهكذا لازال , هكذا عرفنا البيت (بيت جده) , بلا الـ التعريف , او ياء الملكية , فلم يكن بيت الجده , او بيت جدتي , ولابيت جدي , بلا هكذا (بيت جده) , وكأنه إسم علم , او رمز معروف , او بيت تاريخي , يكفي ان تذكره هكذا مجرداً فيعرفه القاصي والداني .
منذ الصغر ونحن نردده ونتردد عليه , نذكره ونتذكره , نحبه ويحبنا , نأتيه فيضمنا , ونذهب عنه فنعود اليه , لانفارقه الا نذراً ولانغيب عنه إلا قليلاً , سيدة هذا البيت وملكته ومالكته هي جده , جمعت الكل فكانت حبيبة الكل , التف حولها الكبير والصغير , وأحبها الصغير قبل الكبير , تراها بسمتها هادئة ودوماً باسمه , تحسب للكلمة حساباها فتحرص الا تنطق إلا خيرا , منذ نعومة اظفارنا ونحن نراها , نكبر ونكبر , وهي بذات الطلة والبسمة والسمت والهدوء , جعلت من هذا البيت علماً فلا ندعوه الا بيت جده , ولا نحبه الا هكذا بيت جده , من اي إضافة أو زيادة ... هكذا تدعوه الاسرة وافرادها , صغارها وكبارها , وربما تذكره بغيره فيختلط الأمر , فلا يعرف المكان , ولايتضح البيان ..
كان بيت جده محضناً مربياً , للأطفال ملعباً , وللكبار منتداً وملتقى , محفلاً جامعاً , نجتمع فيه ونلتقي , نتسامر فيه ونحتفي , في الأعياد يحلو فيه اللقاء والإجتماع , هو نقطة ابتداء وانتهاء , حضور وانصراف , لقاء وفراق ..
شاء الله ان تقبض روحها في يوم عصيب لم نحسب حسابه ولم يتوقعه أشد المتشائمين .. في ذلك اليوم حضر الجميع بلا إستثناء الى المستشفى منتظراً عملية بسيطة ستنجز وتعود بعده جده الى بيت جده , الكل حضر , والكل كان هناك , ينتظر عودة جده , فلم تعد , بل فاضت روحها , وقدر ربي وماشاء فعل , كانت لحظات عصيبة , من الصعب ان تهضم . لحظات مرت , بل دقائق وربما ساعات , ولم نستطع ان نستوعب ماحدث , وربما ضرب أحدنا خده حتى يتبين الحلم من الحقيقة , والوهم من الواقع ..
في تلك الليلة عدنا الى بيت جده , بلا جده , وعدنا الى بيت جده , ولم تكن هناك جده ..
منذ ذلك اليوم ووهج البيت يخبو , ورونقه يهدأ , وجاذبيته تخف , وألقه يترنح , غابت جده , فغاب البيت روحاً , ولكن لم يغب إسماً وتعريفاً , فلا زال الى الساعة بيت جده .. هكذا شاء الله عزوجل لهذا البيت ان يكون وان يسمى , بيت جده .. نعم بيت جده ..
اللهم أرحمها رحمة واسعة واسكنها فسيح الجنات , واجبر كسرنا في مصابنا والهمنا الصبر والسلوان .. اللهم آمين