Tuesday, February 18, 2014

لزوم التفرقة .. بين الأهداف الثابتة والوسائل المتغيرة.

التفرقة بين الأهداف الثابتة والوسائل المتغيرة من أهم القضايا المنهجية التي تعين المسلم على التمييز بين حرفية النص وبين المغزى من وراءه ، وبها يستطيع أن يفهم القرآن وينتفع بالسنة بشكل منهجي صحيح يحقق الفائدة والمقصود.
هذه الأهداف الثابتة تعتبر بمثابة المقاصد والمصالح التي ارادها الشارع وقصد منها ان تكون في حياة البشر حقيقة قابلة للتطبيق حتى تكون حياتهم سهلة ميسرة بعيدة عما يعكر صفوها. تلك الاهداف والمصالح هي مقصود التشريع وهدفه.
والإمام القرافي رحمة الله عليه يفرق بين قاعدة المقاصد وقاعدة الوسائل في كتابه "الفروق" فيقول : "موارد الأحكام على قسمين: مقاصد وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها، ووسائل وهي الطرق المفضية إليها وحكمها حكم ما أفضت إليه من تحريم وتحليل.  غير أنها أخفض رتبة من المقاصد في حكمها. والوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل. وكلما سقط اعتبار المقصد سقط اعتبار الوسيلة فإنها تبع له في الحكم".
هذه الوسائل قد تتغير من زمان الى زمان ومن مكان الى آخر ، والنص عليها في القرآن الكريم ماهو إلا من قبيل بيان الواقع ، وتبيان أن هذه الوسيلة أو تلك هي مناسبة لمكان معين وزمان معين ، وعليه فليس المقصود الوقوف عندها ، بل المقصود هو العمل على التفكير في وسائل أخرى متطورة بتطور الزمان والمكان.
وفي هذا المعنى يقول الشيخ القرضاوي في كتابه "كيف نتعامل مع السنة" : "أن بعض الناس خلطوا بين المقاصد والأهداف الثابتة التي تسعى السنة إلى تحقيقها، وبين الوسائل الآنية والبيئية التي تعينها أحيانا للوصول إلى الهدف المنشود.  فتراهم يركّزون كل التركيز على هذه الوسائل كأنها مقصودة لذاتها، مع أن الذي يتعمق في فهم السنة وأسرارها يتبين له أن المهم هو الهدف وهو الثابت والدائم ، والوسائل قد تتغير بتغير البيئة أو العصر أو العرف أو غير ذلك من المؤثرات".
وضوح هذا التفريق بين الأهداف والوسائل يعين العباد على التمييز بين مقاصد العبادات وأشكالها ، فيحرصون على اللب والجوهر كما يحرصون على الشكل والمظهر.
ومن التطبيقات في واقعنا الاسلامي المعاصر والتي تستدعي منا تمام التفرقة بين الاهداف الثابتة والوسائل المتغيرة هي رؤية هلال شهر رمضان والاختلاف الذي تعاني منه الأمة كل عام فتختلف الدول وتتفرق الشعوب وذلك بسبب الخلط بين المقصد والوسيلة او التمسك بالوسيلة وان ضاع المقصد!
 جاء في الحديث الصحيح المشهور : " صوموا لرؤيته (أي الهلال) وأفطروا لرؤيته , فإن غم عليكم فأقدروا له " وفي لفظ آخر "فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ".
هذا الحديث الشريف تحدث عن هدف وغاية وحدد وسيلة. فالهدف من الحديث هو صيام رمضان كله باايامه المحددة فلايضيعواً يوماً منه ولايصوموا يوما من شهرٍ آخر ، وذلك يكون بإثبات دخول الشهر أو الخروج منه , بوسيلة ممكنة يستطيع العباد القيام بها بدون تكلف او تعب.
في ذلك الزمن كانت الوسيلة المتاحة هي الرؤية بالإبصار ، كانت هذه الوسيلة سهلة معروفة ولذا قام الرسول صلى الله عليه وسلم بتحديدها بعينها ، بخلاف اي وسيلة اخرى غير معروفة قد تعاني الأمة العنت من تطبيقها اذا لم تكن تعلمها او تعرف كيفية تطبيقها ، كالحساب الفلكي مثلاً!  خصوصاً ان الأمة في ذلك الزمان كانت أمة أمية لا تكتب ولا تعرف الحساب، فكان تكليفها بهكذا تكليف فيه عسر، والله لا يريد بأمته إلا اليسر , وقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن نفسه :"إن الله بعثني معلما ميسرا , ولم يبعثني معنتا".
   لذا أليس من الأولى متى ماكانت هناك وسيلة أيسر في التطبيق وأقدر على تحقيق الهدف من الحديث وأبعد ماتكون عن الخطأ ، في ظل ماينعم به العالم أجمع في زماننا هذا من علمٍ بشري وتفوق حضاري بلغ مبلغاً لم يبلغه من قبل ، أن تأخذ الأمة بها وتسعى الى تطبيقها ، وبذلك تحقق الأمة الهدف من الحديث ، وتحقق بها أهداف أسمى ، فتجتمع الأمة ولاتختلف وتتوحد ولا تفترق ، وتتحقق وحدة الأمة في ظل وسيلة ميسورة وبدون الجمود على وسيلة ليست مقصودة لذاتها.
إن الأخذ بالحساب الفلكي هو وسيلة ناجعة اليوم ، والقبول به أولى ، فالسنة النبوية لا ترفض أي وسيلة أكمل في تحقيق المقصود وأدعى لتحقيق الغاية والمراد ، فالإنتقال بالأمة من الإختلاف الى الوحدة في شعائرها عبر وسيلة الحساب الفلكي هو هدف اسمى من خروجها من الوحدة الى الاختلاف عبر التمسك بنصية حرفية لوسيلة الابصار بالعين المجردة.
ومن هذا القبيل كان تعيين السواك لتطهير الأسنان في حديث  "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب " ، فالهدف هو طهارة الفم , حتى يرضى الرب ، وليس السواك في حد ذاته.  فالسواك ليس هو المقصود لذاته ,  ولكن كانت الإشارة هنا لوسيلة ملائمة ميسورة في جزيرة العرب ، فكانت وصية الرسول صلى الله عليه وسلم تلك من باب التيسيير ومن باب إستخدام مايؤدي الغرض بطريقة بعيدة عن العنت والتكلف.
بهذا الفهم كان من الأولى أن تتغير هذه الوسيلة في مجتمعات أخرى لا يتوفر لها السواك ، إلى وسيلة يمكن تصنيعها بوفرة تكفي مئات الملايين من الناس , مثل (الفرشاة) ، طالما تحقق الهدف والغاية وهو طهارة الفم التي ترضي الله عزوجل.
أختم بهذا القول النفيس للإمام العز بن عبدالسلام رحمه الله من كتابه "قواعد الأحكام في إصلاح الأنام"  :  "إن الواجبات والمندوبات ضربان: أحدهما مقاصد والثاني وسائل، وكذلك المكروهات والمحرمات ضربان: أحدهما مقاصد والثاني وسائل، وللوسائل أحكام المقاصد. فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل، والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل ثم تترتب الوسائل بترتب المصالح والمفاسد".

----------------------------------
قائمة المصادر:
١- رياض أدهمي ، المقاصد والوسائل ، http://www.alrashad.org/issues/11/11-Adhami.htm ، تم الدخول في ١٢/ ١/ ٢٠١٤م.
٢- صلاح الدين سلطان ، ثبوت الهلال بالحساب الفلكي .. أحكام فقهية ومقاصد تربوية ودعوية، ٦/ ١١/ ٢٠١٢م ، http://www.salahsoltan.com/DrasatBhoos/192/Default.aspx ، تم الدخول في ١٢/ ١/ ٢٠١٤م.
٣- شهاب الدين القرافي ، الفروق ، لبنان ، دار الكتب العلمية ، ١٩٩٨.
٤- يوسف القرضاوي ، كيف نتعامل مع السنة النبوية .. معالم وضوابط ، الولايات المتحدة ، المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، ١٩٩٣.
٥- عزالدين بن عبدالسلام ، قواعد الأحكام في إصلاح الأنام ، دمشق ، دار القلم ، ٢٠٠٠.

الإمام الشاطبي ومقاصد الشريعة .. أثرٌ وإثراء.

تزخر الشريعة الإسلامية بعلماء أفذاذ ، خلد التاريخ ذكرهم ، والشاطبي رحمة الله عليه كان نجماً ساطعاً بين علماء عصره ، وله منزلة عالية رفيعة بين علماء الشريعة الإسلامية ، جاءت نتيجة دوره الكبير في إثراء التراث الإسلامي بالفكر الذي استندت إليه الأمة ولا زالت.
قدم الشيخ رشيد رضا لكتاب الإعتصام للإمام الشاطبي "بتعريف بين فيه أهمية الشاطبي في تاريخ الفكر التجديدي في الإسلام ، فذهب يقول : العلماء المستقلون في هذه الأمة ثلة من الأوليين وقليلٌ من الآخرين ، والإمام الشاطبي من هؤلاء القليل ، ومارأينا من آثاره الإ القليل ، رأينا كتاب (الموافقات) من قبل ورأينا كتاب (الإعتصام) اليوم ، فأنشدنا قول الشاعر:
قليلٌ منك يكفيني ولكن        قليلك لايقال له قليل
لكن المصنف بهذا الكتاب ، وبصنوه كتاب (الموافقات) الذي لم يسبق إلى مثله أيضاً ، من أعظم المجددين في الإسلام"(١).
وفي هذه المقاله سنتناول سيرته وأثره في علم المقاصد وجوانب إثرائه له.
مولده ونشأته وطلبه للعلم:
"هو الإمام العلامة المحقق الحافظ الجليل المجتهد أبو اسحاق ابراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي ، الشهير بالشاطبي"(٢)
كانت ولادته بمدينة غرناطة ، وترجح ولادته بتاريخ ٧٢٠ هـ. بدء طلب العلم منذ حداثة سنه ، وتتلمذ على اعظم العلماء في زمانه ، وفي مختلف الفنون والعلوم ، يقول عن نفسه "لم أزل منذ فتق للفهم عقلي ، ووجه شطر العلم طلبي ، أنظر في عقلياته وشرعياته ، أصوله وفروعه ، لم أقتصر منه على علم دون علم ، ولا أفردت عن أنواعه نوعاً دون أخرى"(٣)
مرت حياته بثلاث مراحل مهمة ، كما يذكر الأستاذ عبدالحميد العلمي في كتابه (منهج الدرس الدلالي عند الإمام الشاطبي):
المرحلة الأولى : مرحلة طلب العلم :
وهي مرحلة ملازمة الشيوخ والتتلمذ على ايديهم ، ومن الذين اخذ عنهم في هذه المرحلة:
- محمد بن يوسف اليحصبي اللوشي المتوفى سنة ٧٥٢ هـ.
- محمد بن علي الفخار البيري المتوفى سنة ٧٥٤ هـ.
- محمد بن احمد المقري المتوفى سنة ٧٥٨ هـ.
المرحلة الثانية : مرحلة النضج والأستاذية :
وهي مرحلة التأليف والإفتاء ، وكانت فتاواه صادرة عن ملكة علمية ابدعت في فهم المصالح الشرعية.
المرحلة الثالثة : الإكتمال والدعوة إلى الإصلاح :
وكانت هذه المرحلة وليدة المرحلة السابقة ، والتي ساعدته على التعبير عن آرائه الإصلاحية ، وكانت نتيجتها عزله عن الإمامة ، الا ان هذا لم يصده عن متابعة حال الأمة ، وواصل طريقه وهو عاقد العزم ، متميزاً بالبصيرة والفقه والتجديد والإصلاح ، إلى ان توفاه الله في شهر شعبان عام ٧٩٠ م.
الشاطبي وعلم المقاصد:
أسهم الشاطبي إسهاماً كبيراً في علم المقاصد ، حتى أنه لقب بشيخ هذا العلم ، وانطلق الشاطبي في تأسيسه لهذا العلم من القرآن الكريم والسنة النبوية ، وكانت هذه ركيزته في محاولة تطهير الأمة من العادات والبدع التي انتشرت في عصره ، وبهذا الفهم حرص على ان تكون النصوص الشرعية واحوال النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته المرجع الذي ترد اليه صغار الأمور قبل كبارها. واكد بهذا الفهم على ان "الأخد بالمصالح ليس مرسلاً بلا ضوابط ، وإنما لابد من مراعاة النصوص والمقاصد جميعاً ، بحيث لايكون إعتبار المقاصد في مقابل إهدار النصوص"(٤)
كما أنه أكد على مفهوم الكليات ، واعتبرها اساس التشريع ، وأنها من أصول الشريعة ، وهذه الكليات الخمس هي : حفظ الدين ، وحفظ النفس ، وحفظ العقل ، وحفظ العرض ، وحفظ المال ، وبهذا اصبح علم المقاصد يتمحور حول هذه الكليات ، ودور علم المقاصد هو مراعاة هذه الكليات ، إذ أن المصلحة تكمن في مراعاتها.
وكتابه (الموافقات في أصول الشريعة) والذي يعد من أهم كتب الشريعة ، ذكر عموم هذه الكليات ووضحها ، وهذا الكتاب "نقل نظرية مقاصد الشريعة ثلاث نقلات مهمة:
أ - أولاً: من (المصالح المرسلة) إلى (أصول الشريعة)
كانت المقاصد قبل كتاب (الموافقات) للشاطبي تعتبر جزء من (المصالح المرسلة) ، ولم ينظر إليها مطلقاً على أنها من (الأصول) بحد ذاتها ، وليست فرعاً من غيرها من الأصول ، وهو ما أشرنا إليه فيما سبق. فقد افتتح الشاطبي الجزء الخاص بالمقاصد من ضمن كتابه (الموافقات) بآيات من القرآن الكريم يقصد منها إثبات أن لله غايات في خلقه ، وفي إرسال الرسل ، وفي ما أنزله من شريعة ، ثم اعتبر المقاصد (أصول الدين وقواعد الشريعة وكليات الملة).
ب - ثانياً : من (الحكمة من وراء الأحكام) إلى (قواعد الأحكام)
اعتمد الشاطبي على فكرة أولوية المقاصد وعمومها ليصل إلى أن (الكليات) ، خاصة الضروريات ، لايمكن أن تحكم عليها الأحكام الجزئية . لقد كان هذا المبدأ نقلة حاسمة في الأصول التقليدية ، حتى ضمن المذهب المالكي الذي هو مذهب الشاطبي ، لأن المذهب المذكور يعطي الأولوية دوماً للدليل الخاص فوق الدليل العام . بل وجعل الشاطبي معرفة المقاصد شرطاً لازماً لسلامة الإجتهاد على كل مستوى.
ج - ثالثاً : من (الظنية) إلى (القطعية):
قام الشاطبي من أجل دعم المكانة الجديدة التي أولاها مقاصد الشريعة بين أصول الشريعة - قام بافتتاح كتابه حول المقاصد بإيراد الحجج على (قطعية) الإستقراء ، وهو المنهج الذي تبناه في التوصل إلى المقاصد مبدئياً ، وذلك بناء على عدد كبير من الأدلة التي ناقشها . وكانت هذه أيضاً نقلة منهجية تختلف عن المناهج السابقة المبنية على الفلسفة اليونانية ، والتي كانت دائماً ما تذكر بظنية الإستقراء. لقد أصبح كتاب الشاطبي هو المرجع في مقاصد الشريعة بين أيدي العلماء حتى القرن العشرين ، غير أن اقتراحه ان تصبح المقاصد هي أساس الشريعة لم يلاقِ نفس القبول الواسع".(٥)
كانت هذه نبذه عن شيخ المقاصد الإمام الشاطبي والذي كانت جهوده في نظر الكثير من العلماء كسباً حقيقياً للعلوم الإسلامية عامة وعلم المقاصد خاصة ، رحمه الله رحمة واسعه وأجزل له المثوبة والمغفرة.
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
محمد حلمي عبدالوهاب، الإمام الشاطبي .. مؤسس علم المقاصد، ١-٨-٢٠١١، http://www.aawsat.com/details.asp?section=44&article=633770&issueno=11934#.UqkjCX8aySP ، ١٠-١٢-٢٠١٣
عبدالرحمن ابراهيم الكيلاني، قواعد المقاصد عند الامام الشاطبي عرضاً ودراسة وتحليلاً، دمشق، دار الفكر المعهد العالمي للفكر الإسلامي، سبتمبر ٢٠٠٠، الصفحة ٢٠.
الأستاذ عبدالحميد العلمي، منهج الدرس الدلالي عند الإمام الشاطبي، المغرب، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ٢٠٠١، الصفحة ٤٩.
محمد حلمي عبدالوهاب ، الإمام الشاطبي .. مؤسس علم المقاصد ، ١-٨-٢٠١١ ، http://www.aawsat.com/details.asp?section=44&article=633770&issueno=11934#.UqkjCX8aySP ، ١٠-١٢-٢٠١٣
جاسر عودة، مقاصد الشريعة دليل للمبتدئين، الولايات الايات المتحدة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ٢٠١١، الصفحة ٥٣-٥٤.


Thursday, May 9, 2013

النيات الصالحة في النفوس الصافية ..!


على قدرها.. ترزقون..
وهي في أصلها وسيلة.. يقبل بها العمل..
وإذا صلحت أصلح الله بها العلانية..
وهي مؤشرٌ نفيس , تجعلنا نرى الأمور بصفاء بل ونتعامل مع بعضنا بهناء , ولها مع الصفاء علاقة وصاحبها نفسه جميلة , ودائماً ماتجعل نظرته الى الحياة إيجابية , وعملها مع نفوس غيرها .. سلس .. مرن .. بناء.
هذه النية الجميلة في تلك النفس الصافية , دائماً ماتسقط إعتبارها لذاتها متى مارأت أن المصلحة تقتضي ذلك ..
كما أنها تزدان بإيثار يعطر علاقتها بالآخر , ودفء جميل يجعلها تحتفظ .. بود الآخر وبمصلحة الآخر وبنجاح الآخر..
هذا الهمس الأخوي لهذه النفس التي نريدها , يستدعي منا ان نتعب في بناءها , كما نجتهد في بناء العقل , إذ ان البناء العقلي بقوالب الثقافة قد تهدمه نكأة نفس أو سقطة ضمير فيظهر عور العقل وطيش الفكر , وعندها قد لايجدي بناءُ عقلي بني في أعوام عديدة قد تفقد خلاله النفس في لحظة , بناءها الجميل الذي يجعلها تثبت في الملمات وتصمد في الأزمات , وتستطيع من خلاله أن تكبح جماحها فتخرج من ضيق أفقها على نفسها , إلى رحب العالم من حولها .. بمصالحه الجماعية.
وقد أثبتت المشاهدات الحياتية من نجاحات جماعية , أن إنصهار تلك النفوس الصافية في قوالب جماعية هو عنوان النجاح الأكبر والأهم , إذ ان النفوس الجميلة تلك , لها من القابلية مايساعدها على تبني التكاتف الجماعي , فا لمصلحة العامة تصهرها في بوتقة الرؤية الجماعية والمصير الجماعي ..!

أما مكمن الداء في الإخفاقات الجماعية , فيكون بغياب الإهتمام بعلاج النفوس من شوائب الصدارة المقيتـة والآنفـة المعيبـة والآنا القاتلـة , إذ أن النفوس التعيسة تلك , لها من القابلية مايساعدها على تبني التفكك الجماعي ,   فا لمصلحة الخاصة تصهرها في بوتقة الرؤية الفرديـة والمصيـر الفردي ..!

وقفـــة:
حتى تكون من تلك النفوس ..
اتبع سياسة الصعود من الأسفل إلى الأعلى ..
فااعمل على ان تصعد بحظوظها .. من قلبك إلى عقلك ..
حتى تصفو النفس .. وتنطفيء الأنا ..
عندها فقط ..
يكون النجاح الجماعي.. هو العنوان.

عندما تتناغم المفاهيم ..!


النغم في أصله طرب , وله مع  الكلام الخفي صلة , وهو في ذاته إيقاع عذب , وفيه دلالة على الأداء بطريقة معينة , اما المفهوم , فيقال مفهوم الشيء , أي مجموع الصفات والخصائص الموضحة لمعناه ومدلوله , ويقال إختلفت مفاهيمهم , أي إختلفت تصوراتهم ومعاييرهم , والتناغم هو التآلف والتجانس والإتساق , فيقال اصوات متناغمة أي متجانسة متسقة ذات إيقاع ..
تلك كانت مقدمة لغوية لابد منها , لإعطاء زخم له معنى لما نريد إيصاله وندعو اليه ..
إذن هو التناغم مانبحث عنه , وهو الذي يأخذنا الى ان نسير بتآلف وتجانس واتساق , ذا إيقاع وبطريقة معينة .. ذاك التناغم يحتاج الى ان تكون المفاهيم التي ندعو اليها ونريد تحقيقها لها صفات وخصائص واضحة نشترك في فهمها وإدراكها , والتناغم قد لايعني بالضرورة ان نسير معاً في ذات الإتجاه أو نسير بنفس الرتم , فقد يختلف رتم السرعة من مسار الى مسار , بل قد نسير في إتجاهات مختلفة ومحطاتنا قد لا تكون ذاتها , ولكن من المهم ان تكون الرؤية واضحة والهدف بين وفق معايير صحيحة وقيم راقية ومنظومة فهم مشتركة , وعندها يكون السير حتى وان كان في اتجاهات متقاطعة بتناغم , قد يأخذنا الى الهدف الأسمى والغاية الأعلى ..
ذلك التناغم يجعلنا نسير بكل هدوء , بل وبإستراتيجة عمل سلسة , أبجدياتها واضحة , ومفاهيمها لها قواسم مشتركة يدركها الجميع , تجعل الكل يتناغم ويتآلف ويتسق ويتجانس عمله مع الآخر حتى يصل كل شخص إلى محطته وغايته .. وبالتالي تتحقق الغاية العظمى للمنظومة الجماعية ..!
دائماً ما ألحظ مثال هذا التناغم عند إستخدام الشارع في الغرب , فدائماً ماتجد له تناغم ساحر , إذ تجد كل من يستخدم الطريق يشترك في فهمه لمنظومة الإستخدام الأمثل للشارع , والذي يتنوع مستخدميه بين سائر على قدميه , وراكب على دراجته الهوائية او الناريه , أو سائق لسيارته , فتجد القوانين مُستوعبة , والغاية واضحة والتي تدعو الى حفظ النفس لكل من يكون له غرض من إستخدام الطريق , ذلك التناغم تجد فيه تقاطعات واتجاهات مختلفة , لكن وحدة المفهوم , جعلت الكل يتناغم ويتآلف ويتسق ويتجانس إستخدامه للطريق مع الآخر حتى يصل كل شخص الى محطته وغايته .. وبالتالي تتحقق الغاية العظمى للمنظومة الجماعية..!

الملافظ سعد!

اللفظ الحسن من علامات الفأل الحسن ، والتفكير باايجاب يفتح افاق للنجاح بعد توفيق الله ، ويأخد العقل الى ابواب موصودة فيجد مفتاحها ومناطق معزولة فيجيد مع الواقع مزجها ، وكم كانت كثير من الاحداث في حياة البشر تحتاج الى قليل جرأة وبعض اقدام فيحجم صاحبها من قولة رماها صاحبها، في دواخلها مرادٌ سيء او اشارةٌ غير محمودة فتلقي بظلالٍ على الافكار وسوادٍ على الاحداث فتجعل الواقع بعيداً عن المنشود..

تلك الالفاظ غير الحسنة فيها تداخل مع التفكير يجعل عقل صاحبها لايرى الا الجانب السيء ، ويحجم عقله حينها من جعل التفاؤل ديدن والايجابية معدن يجعلها سلعته فيتاجر بها مع الله في الحياة ، كيف لا ، والله رب العزة والجلال قال وقوله الحق في الحديث القدسي ؛ انا عند ظن عبدي بي ، فليظن بي ماشاء ...!
يالها من كلمات مشحونة ممزوجة مسبوكة بقمة التفاؤل والنظر الى النجاح من منظور عليّ بحجم الكرم الالهي والعظمة الالهية.

وقفة:
اجعل من حسن الظن تفكير ، ومن التفاؤل نظر ، ومن حسن القول لفظ ، عندها ستشتم النجاح ، وتلمس جمال الحياة! وتكن كجمال ذاك المؤمن الذي وقف متاملاً يرى جمال الحياة!



اغمض عينيك .. صم اذنيك ، وافتح فمك لتحرف الواقع!


الواقع في غالب احيانه يكون من الوضوح بمكان ، فتظهر العيوب والمسالب فيه , وحينها لاتحتاج هذه العيوب الى حديث او كلام فواقع الحال يصف الحال ،  لكن .. ! تظل هناك مجموعة من البشر تأبى الا ان تحرف هذا الواقع وتجعله يزدان بحسنات ليست فيه ، وبإيجابيات ليست منه ، وبخيرٍ هو بعيد عنه.
تلك المجموعة من البشر تظهر وكأن على عينيها عدسات مقعرة تقعر الواقع وتبهت اللون الفاقع , وتأبى إلا ان تُضل الناس بعلم في كثير الأحيان وبغير علم في احايين آخر ..
وتحريف الواقع هذا يكون على جميع الاصعدة والمستويات بل ويكون احيانا بتجزئة المشكلات عبر تسليط الضوء على الجزء وصرف النظر عن القضايا الكبرى والمحورية فيأتي الحديث هنا عن قضايا هامشية وفرعية لا تسمن ولا تغني من جوع ، وهي في اصلها ناتجة عن قضية كبرى يدور عليها لغط كبير واختلاف عظيم ..
وعن هذا يقول باولو فرير وهو فيلسوف برازيلي من المنظرين لحالة الانسان المقهور : " إن إحدى السمات المميزة للعمل الثقافي القمعي، والتي لا يدركها المتخصصون والمخلصون والسذج وحتى المشاركون في النشاط الدائر في آن معا، هي التأكيد على النظرة التي تحصر المشكلات في بؤر Focalized View بدلا من رؤيتها بوصفها أبعادا لكلٍّ واحد."
والامر قد يكون مفهوم عندما تمارس القيادات والزعامات هذه السياسات لأغراض ديمومة تبحث عنها ، مستغلة حالة القهر التي يمارسونها على الإنسان فتمارس أليات القهر بكل أريحية ..
وكذلك لا عجب ان يمارس الاعلام هذا الدور فهو انعكاس لسياسات القيادات ..
اما غير المستساغ عندما يمارس الافراد هذه السياسة فيلمعون الظواهر بخلاف حقيقتها وجوهرها ومافيها ، كما يعملون على لفت الإنتباه الى قضايا هامشية وامور ثانوية جلها ولو حُلت فلن يتغير شيء , فالقضايا الشائكة لاتزال عالقة , ومايختلف عليه سيظل قائماً , والضرر الأكبر سيكون باق ,   وللأسف جل هؤلاء الأفراد قد تحركهم مصالح واهواء فيكونون كالبوق يهرف بما لا يعرف ويهذي بما لايدري! 
ناهيك ان المصيبة تكون اكبر عندما يأتي من يمارس تحريف الواقع عبر إظهار السهل بشكل صعب وتعقيد الهين وذلك بغرض التقليل من الاخرين , بل واظهار مكانة علمه مقابل جهالة المقابل فيشعر هذا المقابل بضألته وبنوعٍ من رهبة فيتراجع ويحجم تاركاً المجال لهذا الذي يعمل على تقزيم الاخرين ، وقد يكون من يمارس هذه السياسة هو فعلاً صاحب عملقة لها وزنها وقدرها لكنه لم يجعل الاخرين هم من يبرزونه بل اتكأ على متكأ التقليل منهم حتى يصعد استناداً الى ضعف قدرات فيهم قد يكون فعلاً ، جاعلاً التشجيع لهم بعيداً عن نصب العين ، فيسلط الضوء على الضعف, فيظهر هو ويأفل ضوء الاخرين! 

وقفة:
عُرف عن ستيف جوبز تحريف الواقع لكنه في الحقيقة جعل واقعنا اجمل ..
فهل من يحرفون واقعنا اليوم جعلوه اجمل!!؟

هل جربت ان تقيس نَفَسْك!؟

هل نفسك طويل ام قصير!؟
نعم هي سياسة النفس الطويل ، تلك السياسة التي تقوم ادواتها على مباديء مهمة تجعل الغاية الهدف نصب العين ، فيراها الانسان ولا يحيد عنها ، فحواها التركيز وجوهرها الصبر ، وعاداتها الهدوء والبعد عن ردات الافعال.

تلك السياسة تنتهجها بعض الدول و تتبعها فى ادارة تحدياتها سواء كانت اقتصاديه او سياسيه او حتى عسكريه وتعتمد اعتمادا كبيرا على الصبر وانتهاج استراتيجيات طويلة المدى لتحقيق الاهداف وعدم الاندفاع او الانجرار وراء ردود الفعل السريعه .. وما يقال عن الدول ينطبق على الاشخاص.

فنحن نجد كثير من تلك الدول التي تعلم ماذا تريد تمارس السير بهدوء وروية نحو الهدف الذي تريد وهو الذي في اصله بينٌ واضحٌ في حياتها وقد تتناقله الاجيال جيلاً بعد جيل ، لايصدها عن تلك السياسة اي مشتتات تكون على هوامش الطريق ، حتى تصل الى الاهداف وحينها تكون الانجازات بشكل مختلف!

اما ماعداها فهي دول تهيم مع من يهيم وتحركها الاهواء بل وتظل تخسر وتخسر وتشيخ فيها الامكانات وتذبل لان عدم وضوح الهدف فيها واضح والسياسات معدومة وردود الافعال هي الرتم وحينها لا تصل الى الاهداف ، وحينها تقف الانجازات في المنتصف!

سياسة النفس الطويل سياسة نفسية نفيسة وتطبيقها على مستوى الافراد والمجموعات والجماعات والدول تحمل في طياتها الخير الكثير ، فهل نحلم بتبنيها وننشد في حياتنا تطبيقها!!؟

وقفة :
إجعل نَفَسْك طويل!!