Wednesday, May 8, 2013

نحو قيم مُعاشة ..!


دائما ماتبرز المقارنات بين واقع الحياة المعاش في عالمنا العربي والعالم الغربي , وهذه المقارنات إما أن تكون متحاملة على الواقع العربي ,او مجاملة له داعية الى عدم النظر الى الغرب بهذه النظره كون هذا من باب الفتنة بقوم ليسوا بمؤمنين , وبين هذا وذاك  ... يبرز لدينا واقع لابد ان نعترف به ونقر بوجوده خصوصا إذا مارأيناه سلباً في حياتنا وإيجاباً في حياتهم , هذا الواقع يرتبط باالقيم واهميتها وممارستها ومراقبتها , وهذا الواقع الذي سنتكلم عنه يجبرنا ان نضعه في الإعتبار خصوصاً إذا علمنا ان هذه القيم هي من أصول ديننا ويدعو اليها إسلامنا ..
ونحن عندما نتحدث هنا عن القيم وألية تطبيقها لا نريد ان يكون حديثنا بهرجة وفرحة بالحياة الغربية .. ولكن نريد تسليط الضوء على ممارسات هذه القيم وكيفية جعلها نسيج مترابط في المجتمع تشعر بتناغم الحياة فيه , فعندما نتحدث عن قيمة كقيمة النظافة المجتمعية وتتكرر على مسامعنا شعارات لها تحفزنا الى ممارستها على نحو( النظافة من الإيمان) , تجد هذه النظافة قد تكون واضحة جلية على مستواها الشخصي لكنها على المستوى  المجتمعي تجدها قيمة تزين جدران المدارس وصفحات الكتب , فلا  نجدها واقعا نحياه وقيمة نمارسها , ويحضرني في هذا السياق ان زار جدة ابن قريب لي .. طفل لم يتجاوز الثامنة من عمره ولد وعاش في دولة غربية .. وهو يسير في شوارع جدة صدم! بالطبع لم تصدمه الحضارة! بل صدمته عدم النظافة! فاأخذ وهو يسير في شوراعها يتسأل مستغرباً ! ماهذا؟! ولماذا!؟ وكيف ولما؟ وأخذت الأسئلة تتردد والإجابات حائرة والضحكات منا متبادلة ولا رد واضح  يجيب الحيرة ويزيل الدهشة! هذه القيمة التي تعلمها هذا الطفل في تلك البلد شكلتها 3 محاور مهمة : فهناك جهة ترعى هذه القيمة وتنميها ولنقل انها المدرسة ومعها الأسرة او العكس , وهناك قدوة تجسدها على ارض الواقع فوالده ووالدته ومن حولهما يمارسها , بل ايضا الشارع ومن فيه يجعل من هذه القيمة نصب العين وطوع الممارسة , وثالث هذه المحاور جهة رقابية تساعد وتوجه وتعاقب من نكص على العواقب وتغرم من تخلف بالمخالفة !
وعن هذه القيمة في واقعنا تحدث احمد الشقيري في احدى تغريداته في تويتر قائلاً متسائلاً! :  (عندما يقوم شاب برمي المخلفات في السلة فيقول له صاحبه : بلا فلسفة ،، مسوي نفسك شاطر !!...ما سبب هذه النفسية في رأيكم ؟! ) .. والتعليق لكم!
وننتقل الى شعار آخر نردده كثيرا والممارسة غائبة! فنقول : القيادة فن وذوق وأخلاق .. لكنها ايضا على الورق والتطبيق غائب والبرهان في شوراعنا! , وتجد في المقابل لدى الغرب انك تشعر وان تتعلم قيادة السيارات أنها مهارة! نعم مهارة لها ثقلها وأهميتها ولها أخلاق وقيم لابد ان تمارس وتطبق حتى تحفظ حياة البشر بإذن الله  ,أضف الى ذلك ان الحصول على رخصة القيادة له برنامج طويل قد يصل الى 6 أشهر! (أما عندنا فتحصل على الرخصة بمجرد ماتلبق السيارة صح)! وتجد كذلك وانت في سيرك الى تعلمها أن اول مبدأ تتعلمه ان الشارع ملك للجميع وان هناك حق عليك لكل مستخدم للطريق من سائرعلى قدميه مرورا بصاحب الدراجة وإنتهاءً بالطبع بسائق السيارة! والأمثلة حية في ان كثير ممن يأتي من الغرب لايتأتى له مما يرى ان يتجرأ في ان يستخدم سيارة يسير بها في شوارعنا!
ولابد لنا من ان نعرج أخيراً على القيم التي تتبناها الشركات فتراها تزين مكاتب كبار مدرائها وحتى صغار موظفيها ,خصوصا تلك القيم التي تتعلق بخدمة العملاء او المتعاملين لكنها أيضا بلا ممارسة! , ولي تجربة مثيرة مع أحد البنوك الكبرى في جدة لا يتسع المجال لذكرها لكن مختصرها اني ترددت على هذا البنك مدة اسبوع ونيف والى لحظة كتابة هذا المقال لم تحل المشكلة , والمشكلة ليست في الحل من عدمه لأنها من وجهة نظري ليست بمشكلة تستحق هذا العناء الذي اتكبده, ولكن المشكلة في التجاهل والذي تشعر في بعض لحظاته انه متعمد تجاه العملاء وبااحتراف!
وأختم حديثي هذا بعبارات عميقة الدلالة بالغة المعنى تختصر ماسطرته أعلاه , دبجها الدكتور جاسم السلطان في كتابه القيم (التفكير الإستراتيجي .. والخروج من المأزق الراهن) , يقول الدكتور جاسم :
(إن القيم لا تترسخ بمجرد تعيينها ومعرفة أهميتها, بل هي تترسخ بأن ترعى , وتتم مراقبة الإلتزام بها, والمحاسبة على التخلف عنها. فالفرد الذي تربى في بيت يحرص على النظام ويشيع قيمته قد يكبر ثم يدخل المجتمع, فإذا كان المجتمع لايلتزم بالنظام, لنقل مثل أخذ الدور لركوب الحافلة بل يقفز الجميع للركوب, على حساب الغير وحقه, فلن يطول الزمن بصاحبنا حتى يمارس نفس السلوكيات ويتخلى عما تعلمه في محضنه التربوي. فالقيم بحاجة الى رعاية ومصاديق وصور تنفيذية على الأرض, حنى تترسخ وتؤتي ثمارها, وإلا فما أكثر مانسمعه عن القيم والتوصية بها, وقديماً قيل لعمر بن الخطاب : (عففت فعفوا, ولو رتعت لرتعوا) . فلما تجسدت القيمة في واقع تطبيقي في القدوة وفي الرقابة على تطبيق القيمة – وهو الأمر الذي قام بفعله عمر- ترسخت القيمة وثبتت).

No comments:

Post a Comment